کد مطلب:142621 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:344

خلافه یزید بن معاویه
و فی هذه السنة (60 ه) بویع لیزید بن معاویة بالخلافة بعد وفاة أبیه للنصف من رجب فی قول بعضهم و فی قول بعض لثمان بقین منه علی ما ذكرنا قبل من وفاة والده [1] معاویة فأقر عبیدالله بن زیاد علی البصرة و النعمان بن بشیر علی الكوفة.

و قال هشام بن محمد عن أبی مخنف ولی یزید فی هلال رجب سنة 60 [2] و أمیر المدینة الولید بن عتبة بن أبی سفیان و أمیر الكوفة النعمان بن بشیر الأنصاری و أمیر البصرة عبیدالله بن زیاد و أمیر مكة عمرو بن سعید بن العاص و لم یكن لیزید همة حین ولی الا بیعة النفر الذین أبوا علی معاویة الاجابة الی بیعة یزید حین دعا الناس الی بیعته و انه ولی عهده بعده و الفراغ من أمرهم فكتب الی الولید:

بسم الله الرحمن الرحیم من یزید أمیرالمؤمنین الی الولید بن عتبة أما بعد فان معاویة كان عبدا من عباد الله أكرمه الله و استخلفه و خوله و مكن له فعاش


بقدر و مات بأجل فرحمه الله فقد عاش محمودا و مات برا تقیا و السلام [3] .

و كتب الیه فی صحیفة كأنها أذن فأرة أما بعد فخذ حسینا و عبدالله ابن عمر و عبدالله بن الزبیر بالبیعة أخذا شدیدا لیست فیه رخصة حتی یبایعوا و السلام فلما أتاه نعی معاویة فظع به و كبر علیه فبعث الی مروان بن الحكم فدعاه الیه و كان الولید یوم قدم المدینة قدمها مروان متكارها فلما رأی ذلك الولید منه شتمه عند جلسائه فبلغ ذلك مروان فجلس عنه و صرمه [4] فلم یزل كذلك حتی جاء نعی معاویة الی الولید فلما عظم علی الولید هلاك معاویة و ما أمر به من أخذ هؤلاء الرهط بالبیعة، فزع عند ذلك الی مروان و دعاه فلما قرأ علیه كتاب یزید استرجع و ترحم علیه و استشاره الولید فی الأمر و قال كیف تری أن نصنع قال فانی أری أن تبعث الساعة الی هؤلاء النفر فتدعوهم الی البیعة و الدخول فی الطاعة فان فعلوا قبلت منهم و كففت عنهم و ان أبوا قدمتهم فصرفت أعناقهم قبل أن یعلموا بموت معاویة فانهم ان علموا بموت معاویة وثب كل امری ء منهم فی جانب و أظهر الخلاف و المنابذة و دعا الی نفسه لا أدری أما ابن عمر فانی لا أراه یری القتال و لا یحب أنه یولی علی الناس الا أن یدفع الیه هذا الأمر عفوا فأرسل عبدالله بن عمرو بن عثمان و هو اذ ذاك غلام حدث الیهما یدعوهما فوجدهما فی المسجد و هما جالسان فأتاهما فی ساعة لم یكن الولید یجلس فیها للناس و لا یأتیانه فی مثلها فقال أجیبا الأمیر یدعوكما فقالا له انصرف


الآن نأتیه ثم أقبل أحدهما علی الآخر فقال عبدالله بن الزبیر للحسین ظن فیما تراه بعث الینا فی هذه الساعة التی لم یكن یجلس فیها فقال حسین قد ظننت أن طاغیتهم قد هلك فبعث الینا لیأخذنا بالبیعة قبل أن یفشو فی الناس الخبر فقال و أنا ما أظن غیره قال فما ترید أن تصنع قال أجمع فتیانی الساعة ثم أمشی الیه فاذا بلغت الباب احتسبتهم علیه ثم دخلت علیه قال فانی أخافه علیه اذا دخلت قال لا آتیه الا و أنا علی الامتناع قادر فقام فجمع الیه موالیه و أهل بیته ثم أقبل یمشی حتی انتهی الی باب الولید و قال لأصحابه انی داخل فان دعوتكم أو سمعتم صوته قد علا فاقتحموا علی بأجمعكم و الا فلا تبرحوا حتی أخرج الیكم فدخل فسلم علیه بالامرة و مروان جالس عنده فقال حسین كأنه لا یظن ما یظن من موت معاویة الصلة خیر من القطیعة أصلح الله ذات بینكما فلم یجیباه فی هذا بشی ء و جاء حتی جلس فأقرأه الولید الكتاب و نعی له معاویة و دعاه الی البیعة.

فقال حسین انا لله و انا الیه راجعون و رحم الله معاویة و عظم لك الأجر أما ما سألتنی من البیعة فان مثلی لا یعطی بیعته سرا و لا أراك تجتزی ء بها منی سرا دون أن نظهرها علی رؤوس الناس علانیة قال أجل قال فاذا خرجت الی الناس فدعوتهم الی البیعة دعوتنا مع الناس فكان أمرا واحدا فقال له الولید و كان یحب العافیة فانصرف علی اسم الله حتی تأتینا مع جماعة الناس فقال له مروان و الله لئن فارقك الساعة و لم یبایع لا قدرت منه علی مثلها أبدا حتی تكثر القتلی بینكم و بینه أحبس الرجل و لا یخرج من عندك حتی یبایع أو تضرب عنقه فوثب عند ذلك الحسین فقال یا ابن الزرقاء أنت تقتلنی أم هو كذبت والله و اثمت [5] ثم خرج فمر بأصحابه فخرجوا معه حتی أتی منزله فقال مروان للولید عصیتنی لا والله لا یمكنك من مثلها من نفسه أبدا قال الولید و بخ غیرك یا مروان انك اخترت لی التی فیها هلاك دینی والله ما أحب أن لی ما طلعت علیه الشمس و غربت عنه من مال الدنیا و ملكها و أنی قتلت حسینا سبحان الله أقتل حسینا ان قال لا أبایع والله انی لا أظن امرءا یحاسب بدم حسین لخفیف المیزان عند الله


یوم القیامة فقال له مروان فاذا كان هذا رأیك فقد أصبت فیما صنعت یقول هذا له و هو غیر الحامد له علی رأیه.

و أما ابن الزبیر فقال الآن آتیكم ثم أتی داره فكمن فیها فبعث الولید الیه فوجده مجتمعا فی أصحابه متحرزا فألح علیه بكثرة الرسل و الرجال فی اثر الرجال فأما حسین فقال كف حتی تنظر و ننظر و تری و نری و أما ابن الزبیر فقال لا تعجلونی فانی آتیكم أمهلونی فألحوا علیهما عشیتهما تلك كلها و أول لیلها و كانوا علی حسین أشد ابقاء و بعث الولید الی ابن الزبیر موالی له فشتموه و صاحوا به یا ابن الكاهلیة والله لتأتین الأمیر أو لیقتلنك فلبث بذلك نهاره كله و أول لیلة یقول الآن أجی ء فاذا استحثوه قال والله لقد استربت [6] بكثرة الارسال و تتابع هذه الرجال فلا تعجلونی حتی أبعث الی الأمیر من یأتینی برأیه.

و أمره فبعث الیه أخاه جعفر بن الزبیر فقال رحمك الله كف عن عبدالله فانك قد أفزعته و ذعرته بكثرة رسلك و هو آتیك غدا ان شاء الله فمر رسلك فلینصرفوا عنا فبعث الیهم فانصرفوا و خرج ابن الزبیر من تحت اللیل فأخذ طریق الفرع هو و أخوه جعفر لیس معهما ثالث و تجنب الطریق الأعظم مخافة الطلب و توجه نحو مكة فلما أصبح بعث الیه الولید فوجده قد خرج فقال مروان و الله ان أخطأ مكة فسرح فی أثره الرجال فبعث راكبا من موالی بنی أمیة فی ثمانین راكبا فطلبوه فلم یقدروا علیه فرجعوا فتشاغلوا عن حسین بطلب عبدالله یومهم ذلك حتی أمسوا.

ثم بعث الرجال الی حسین عند المساء فقال أصبحوا ثم ترون و نری فكفوا عنه تلك اللیلة و لم یلحوا علیه فخرج حسین من تحت لیلته و هی لیلة الأحد لیومین بقیا من رجب سنة 60 و كان مخرج ابن الزبیر قبله بلیلة خرج لیلة السبت فأخذ طریق الفرع فبینا عبدالله بن الزبیر یسایر أخاه جعفر اذا تمثل جعفر یقول صبرة الحنظلی.




و كل بنی أم سیمسون لیلة

و لم یبق من أعقابهم [7] غیر واحد



فقال عبدالله سبحان الله ما أردت الی ما أسمع یا أخی قال والله یا أخی ما أردت به شیئا مما تكره فقال فذاك والله أكره الی أن یكون جاء علی لسانك من غیر تعمد [8] قال و كأنه تطیر منه [9] و أما الحسین فانه خرج ببنیه و اخوته و بنی أخیه و جل [10] أهل بیته الا محمد بن الحنفیة [11] فانه قال له یا أخی أنت أحب الناس الی و أعزهم علی و لست أدخر النصیحة لأحد من الخلق أحق بها منك تنح بتبعتك عن یزید بن معاویة و عن الأمصار [12] ما استطعت ثم ابعث رسلك الی الناس فادعهم الی نفسك فان بایعوا لك حمدت الله علی ذلك و ان أجمع الناس علی غیرك لم ینقص الله بذلك دینك و لا عقلك و لا یذهب به مروءتك و لا فضلك.

انی أخاف أن تدخل مصرا من هذه الأمصار و تأتی جماعة من الناس فیختلفون بینهم فمنهم طائفة معك و أخری علیك فیقتتلون فتكون لأول الأسنة فاذا خیر هذه الأمة كلها نفسا و أبا و أما أضیعها دما و أذلها أهلا.

قال له الحسین فانی ذاهب یا أخی قال فانزل مكة فان اطمأنت بك الدار فسبیل ذلك و ان نبت بك لحقت بالرمال و شعف الجبال و خرجت من بلد الی بلد حتی تنظر الی ما یصیر أمر الناس و تعرف عند ذلك الرأی فانك أصوب ما یكون رأیا و أحزمه عملا حتی تستقبل الأمور استقبلا و لا تكون الأمور علیك أبدا أشكل منها حین تستدبرها استدبارا.


قال یا أخی قد نصحت فأشفقت فأرجو أن یكون رأیك سدیدا موفقا.

قال أبومخنف و حدثنی عبدالملك بن نوفل بن مساحق عن أبی سعد المقبری قال نظرت الی الحسین داخلا مسجد المدینة و انه لیمشی و هو معتمد علی رجلین یعتمد علی هذا مرة و علی هذا مرة و هو یتمثل بقول ابن مفرغ.



لا ذعرت السوام فی فلق الصب

ح مغیرا و لا دعیت یزیدا



یوم أعطی من المهابة ضیما [13]

و المنایا یرصدننی أن أحیدا



قال فقلت فی نفسی والله ما تمثل بهذین البیتین الا لشی ء یرید قال فما مكث الا یومین حتی بلغنی أنه سار الی مكة ثم ان الولید بعث الی عبدالله بن عمر فقال بایع لیزید فقال اذا بایع الناس بایعت فقال رجل ما یمنعك أن تبایع انما ترید أن یختلفوا الناس بینهم فیقتتلوا و یتفانوا فاذا جهدهم ذلك قالوا علیكم بعبدالله بن عمر لم یبق غیره بایعوه قال عبدالله ما أحب أن یقتتلوا و ما یختلفوا و لا یتفانوا ولكن اذا بایع الناس و لم یبق غیری بایعت قال فتركوه و كانوا لا یتخوفونه قال و مضی ابن الزبیر حتی أتی مكة و علیها عمرو بن سعید فلما دخل مكة قال انما أنا عائذ و لم یكن یصلی بصلاتهم و لا یفیض بافاضتهم كان یقف هو و أصحابه ناحیة ثم یفیض بهم وحده و یصلی بهم وحده قال فلا سار الحسین نحو مكة قال فخرج منها خائفا یترقب قال رب نجنی من القوم الظالمین فلما دخل مكة قال فلما توجه تلقاء مدین قال عسی ربی أن یهدینی سواء السبیل.

و فی هذه السنة [14] عزل یزید الولید بن عتبة [15] عن المدینة عزله فی شهر رمضان فأقر علیها عمرو بن سعید [16] الأشدق.


و فیها قدم عمرو بن سعید بن العاص المدینة فی رمضان فزعم الواقدی أن ابن عمر لم یكن بالمدینة حین ورد نعی معاویة و بیعة یزید علی الولید و أن ابن الزبیر و الحسین لما دعیا الی البیعة لیزید أبیا و خرجا من لیلتهما الی مكة فلقیهما ابن عباس و ابن عمر جاءیین من مكة فسألاهما ما وراء كما قالا موت معاویة و البیعة لیزید فقال لهما ابن عمر اتقیا الله و لا تفرقا جماعة المسلمین و أما ابن عمر فقدم فأقام أیاما فانتظر حتی جاءت البیعة من البلدان فتقدم الی الولید بن عتبة فبایعه و بایعه ابن عباس.

و فی هذه السنة وجه عمرو بن سعید عمرو بن الزبیر الی أخیه عبدالله بن الزبیر لحربه.


[1] و هو معاوية بن أبي سفيان بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، أسلم هو و أبوه أبوسفيان عام الفتح و قد عهد اليه رسول الله صلي الله عليه و سلم بكتابة الوحي.

راجع ابن الأثير (2: 4) و اليعقوبي (192: 2) و المسعودي (42: 2).

[2] العقد الفريد لابن عبد ربه (375: 4) ط. دار الكتاب العربي و الامامة و السياسة لابن قتيبة (174: 1) و ما بعدها ط. دار المعرفة.

[3] و قد ذكر صاحب العقد الفريد خطبة ليزيد بعد ثلاثة أيام من موت أبيه اذ خرج و عليه أثر الحزن فصعد المنبر و أقبل الضحاك فجلس الي جانب المنبر و خاف عليه الحصر، فقال له يزيد: يا ضحاك، أجئت تعلم بني عبد شمس الكلام! ثم قام خطيبا فقال: الحمدلله الذي ما شاء صنع، من شاء أعطي، و من شاء منع، و من شاء خفض و من شاء رفع، ان معاوية بن أبي سفيان كان حبلا من حبال الله، مده الله ما شاء أن يمده، ثم قطعه حين شاء أن يقطعه، فكان دون من قبله، و خيرا ممن يأتي بعده، و لا أزكيه و قد صار الي ربه، فان يعف عنه فبرحمته، و ان يعذبه فبذنبه و قد و ليت بعده الأمر، و لست أعتذر من جهل و لا أتي عن طلب و علي رسلكم، اذا كره الله شيئا غيره، و اذا أراد شيئا يسره». العقد الفريد (375: 4).

[4] يقال صرم الرجل: قطع كلامه من صرم الشي ء اذا قطعه، و منه الانصرام و هو الانقطاع.

[5] البداية و النهاية لابن كثير (159: 8).

[6] استربت: أخذتني الريبة.

[7] الأعقاب: النسل و الأبناء و الحفدة.

[8] من غير تعمد: من غير قصد.

[9] تطير منه: بتشديد الياء أي تشاءم منه قال تعالي: (قالوا، انا تطيرنا بكم لئن لم تنتهوا لنرجمنكم و ليمسنكم منا عذاب أليم) يس (18: 36).

[10] جل أهل بيته: أكثرهم.

[11] راجع ترجمة محمد بن الحنفية في وفيات الأعيان لابن خلكان بتحقيق محمد محي الدين عبدالحميد (310: 3).

[12] الأمصار: الأقطار و البلدان مفردها مصر.

[13] الضيم: الحيف و الظلم.

[14] أي سنة 60 ه.

[15] لأنه رأي فيه لينا و هوادة و تعاطفا مع الحسين.

[16] و كان يزيد قد عمد الي تعيين عمرو بن سعيد بن العاص انما لأنه شديد العداوة و السخيمة لأهل البيت، فجاء تعيينه لقصد و هدف و تخطيط قتالي و ليس أمرا عرضيا، أو لقاء مصادفة.

و في ترجمة عمرو بن سعيد بن العاص أرجو مراجعة كتاب الاصابة لابن حجر العسقلاني (112 - 111: 7) مكتبة الكليات الأزهرية.